يُصر بعض المنشدين والشعراء والسمكريين والببغاوات وآخرين من فصيلة "النذاخين" على تسمية أنفسهم "إعلامي" ويطلقون هذا اللقب على أنفسهم بكل ثقة مع أنهم لم يمارسوا الإعلام يوما، ويبدو أن لقب "إعلامي" أوجد لهم آفاقا حالمة استهوتهم فنسوا أو تناسوا واقعهم ومن هم.
أصبح لقب الإعلامي أعاذنا الله وإياكم منه، مرض يتلبس الباحثين عن الشهرة والمال، فتجدهم يدعون ما ليس لهم به حق، ولا علم، فتجد أحدهم ممسكا بجواله وكأنه سيأتي بما لم تأت به الأوائل، ومن كلمتين يتفوه بهما سيمد أبو حنيفة والمتابعين أرجلهم ضاحكين متأسفين للمصير الذي آل إليه "الإعلامي"، ومع ظهور كل مدع للإعلام يزيد عدد الحمقى، ويزيد.
تفحصت البارحة من خلال موقع اليوتيوب وجوه من حضروا حفلا كنت أظنه أقيم لتكريم صاحب إنجازات عظيمة في مجال البيئة أو الصحة أو الزراعة أو المناخ أو النانو، أو لرجل حقق قيمة مضافة للمنطقة من خلال سنابه الخاص، وعرف بها كما يليق بعروس الشمال، واكتشفت أن ما حدث بعيد كل البعد عن "التميلح" والإعلان المدفوع، فالحفل كله سيثري المنطقة ويحقق لها عوائد كبيرة ولكن على فترة زمنية طويلة الأجل، وهكذا تفعل الاستراتيجيات التي تحظى بتخطيط جيد، ولكن كان ينقص ذلك الجمع المحتفى من يشرح لهم طرق إعداد "المزة" وكيفية التعامل مع الهرفي "اللباني"، فهم اجتمعوا ليكرموا أحد المعلنين "مشهور" في تطبيق السناب، ويبدو أنه حقق عوائد مالية من إعلاناته تتفوق على صاحب سناب آخر عرف بـ"تعجين" الكلام و"خبزه"، والأخير لم يكن بين الحضور ولكنه "مدهر" إعلانات رغم أنه يسئ لمن يعلن له حاله حال الكثيرين من المحترمين منهم.
أحزنني كثيرا غياب أصحاب المهنة في حفل أقيم باسمهم وبوصاية عليهم، ولم أجد بين الحضور إلا أولئك الذين قالوا عن أنفسهم "إعلاميون" والمهنة تأبى أن ينتسب لها من لم يمارسها، أما سبب التكريم فلا أره إلا مناسبة لتبادل النشر بين الإعلانيين.
حاولت التركيز علي أكون مخطئا، فهذا الجمع الذي أقيم باسم الإعلاميين لن يخلو حتما منهم، وبما أنني "أصغرهم" عمرا، وأقلهم خبرة في الإعلام تمنيت أن تجود ذاكرتي على الأقل لأتذكر وجوه عدد منهم، ولكن لا أثر للإعلاميين في حفل أقيم باسمهم!.
كان الحفل للإعلانيين أو السنابيين الذي يستخدمون تطبيق السناب شات لنشر إعلاناتهم والترويج لأنفسهم من خلال أعداد المتابعين، ويبدو أن حرف النون سقط وحل محله حرف "الميم" إن أحسنا النوايا والنوايا مطايا كلقب الإعلامي الذي امتطاه هؤلاء بلا رسن ولا سرج ولا حق و"لا هم يحزنون".
ولكي لا أكون ظالما ومتحيزا، فكرت بتصنيف جديد عله ينصف من أراد "الكشخة" بلقب إعلامي، فالذي اعطاهم الحق بتصنيف أنفسهم بما يشاؤون يعطيني الحق أيضا بمعرفة إلى أي صنف أنتمى وأنا الذي كنت وكنت وكنت، وها أنا ذا أجابه أعتى المعلنين علني أنال شرف الدفاع عن مهنتي وأسجل موقفا حتى وإن كان عابرا.
سيكون التصنيف الجديد أنيقا ورقيقا ولن يفقد الجاذبية والسلاسة وفق ما يقتضيه حال كل الإعلانيين ووفق ما يتمنون، فما المانع أن نطلق على الشاعر الذي تخلى عن هذا اللقب وهرب إلى الإعلام، وصنف نفسه بأن سيد الشعر وجهبذه لقبا يحقق له ما يصبوا إليه، ولن يكون أسهل من "إعلامي فارغ" أليس مناسبا و"كشخه"؟ ولكن اللقب لا يكون مؤثرا بقدر الفعل "ياصغير ما يكبرني لقب".
والحقيقة التي تطل برأسها على خجل تقول: إن كل من تخلى عن لقبه الحقيقي يعود لضعفه وضعف المنتج الذي يقدمه، فمعظم الشعراء الناجحين -كمثال- لم يطلقوا على أنفسهم "إعلامي" ويعتزون ويفاخرون بـ"شاعر"، ولكن موجة الانتساب للإعلام بدأت مع المنشدين الذين تعالوا على "فنان" ولم تناسبهم "منشد" فاختاروا "إعلامي" ظنا منهم بأن الوقت سيشفع لهم وأنهم قادرون على قلب المفاهيم والمصطلحات، وهذا لن يكون.